فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} قيل: المعنى وإخوان الشياطين وهم الفجّار من ضُلاّل الإنس تمدّهم الشياطين في الغيّ.
وقيل للفجار إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم.
وقد سبق في هذه الآية ذكر الشيطان.
هذا أحسن ما قيل فيه؛ وهو قول قتادة والحسن والضحاك.
ومعنى {لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يتوبون ولا يرجعون.
وقال الزجاج: في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى: والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون، وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ؛ لأنّ الكفار إخوان الشياطين.
ومعنى الآية: إن المؤمن إذا مسه طَيْف من الشيطان تنبَّه عن قُرْب؛ فأما المشركون فيمدّهم الشيطان.
و{لاَ يُقْصِرُونَ} قيل: يرجع إلى الكفار على القولين جميعًا.
وقيل: يجوز أن يرجع إلى الشيطان.
قال قتادة: المعنى ثم لا يُقصرون عنهم ولا يرحمونهم.
والإقصار: الانتهاء عن الشيء، أي لا تقصر الشياطين في مدّهم الكفار بالغيّ.
وقوله: {فِي الغي} يجوز أن يكون متصلًا بقوله: {يَمُدُّونَهُمْ} ويجوز أن يكون متصلًا بالإخوان.
والغيّ: الجهل.
وقرأ نافع {يُمِدُّونَهُمْ} بضم الياء وكسر الميم.
والباقون بفتح الياء وضم الميم.
وهما لغتان مَدّ وأمَدّ.
ومَدّ أكثر، بغير الألف؛ قاله مكيّ.
النحاس: وجماعة من أهل العربية ينكرون قراءة أهل المدينة؛ منهم أبو حاتم وأبو عبيد، قال أبو حاتم: لا أعرف لها وجهًا، إلا أن يكون المعنى يزيدونهم في الغيّ.
وحكى جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيد أنه يقال إذا كَثّر شيء شيئًا بنفسه مدّه، وإذا كثّرة بغيره قيل أمَدّه؛ نحو {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125].
وحكي عن محمد بن يزيد أنه احتج لقراءة أهل المدينة قال: يقال مددت له في كذا أي زيّنته له واستدعيته أن يفعله.
وأمددته في كذا أي أعنته برأي أو غير ذلك.
قال مكيّ: والاختيار الفتح؛ لأنه يقال: مددت في الشر، وأمددت في الخير؛ قال الله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15].
فهذا يدل على قوة الفتح في هذا الحرف؛ لأنه في الشر، والغيّ هو الشر، ولأن الجماعة عليه.
وقرأ عاصم الجَحْدَرِيّ {يُمَادُّونهُمْ فِي الغيّ}.
وقرأ عيسى بن عمر {يَقْصُرُونَ} بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف.
والباقون {يُقْصِرُونَ} بضدّه.
وهما لغتان.
قال امرؤ القيس:
سَمَا لك شَوْقٌ بعد ما كان أقْصَرَا

. اهـ.

.قال الخازن:

{وإخوانهم} يعني وإخوان الشياطين من المشركين {يمدونهم} أي يمدهم الشياطين {في الغي} قال الكلبي لكل كافر أخ من الشياطين يمدونهم أي يطيلون لهم في الإغواء حتى يستمروا عليه وقيل يزيدونهم في الضلالة {ثم لا يقصرون} يعني لا يكفون عن الضلالة ولا يتركونها وهذا بخلاف حال المؤمنين المتقين لأن المؤمن إذا أصابه طيف من الشيطان تذكر وعرف ذلك فنزع عنه وتاب واستغفر والكافر مستمر في ضلالته لا يتذكر ولا يرعوي.
وقال ابن عباس: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئآت ولا الشياطين يمسكون عنه فعلى هذا القول يحمل قوله لا يقصرون على فعل الإنس والشياطين جميعًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإخوانهم يمدونهم في الغيّ ثم لا يقصرون}.
الضمير في {وإخوانهم} عائد على الجاهلين أو على ما دل عليه قوله: {إن الذين اتقوا} وهم غير المتقين لأن الشيء قد يدل على مقابله فيضمر ذلك المقابل لدلالة مقابله عليه وعنى بالإخوان على هذا التقدير الشياطين كأنه قيل: والشياطين الذين هم إخوان الجاهلين أو غير المتقين يمدّون الجاهلين أو غير المتقين في الغيّ فالواو وفي {يمدّونهم} ضمير الإخوان فيكون الخبر جاريًا على من هو له والضمير المجرور والمنصوب للكفار وهذا قول قتادة، وقال ابن عطية: ويحتمل أن يعودا جميعًا على الشياطين ويكون المعنى وإخوان الشياطين في الغيّ بخلاف الأخوة في الله يمدون الشياطين أي بطاعتهم لهم وقبولهم منهم ولا يترتب هذا التأويل على أن يتعلق {في الغيّ} بالإمداد لأنّ الإنس لا يعودون الشياطين انتهى، ويمكن أن يتعلق {في الغيّ} على هذا التأويل بقوله: {يمدّونهم} على أن تكون {في} للسببية أي {يمدّونهم} بسبب غوايتهم نحو «دخلت امرأة النار في هرة» أي بسبب هرة، ويحتمل أن يكون {في الغيّ} حالًا فيتعلق بمحذوف أي كائنين ومستقرين في الغيّ فيبقى في الغيّ في موضعه لا يكون منعلقًا بقوله: {وإخوانهم} وقد جوز ذلك ابن عطية وعندي في ذلك نظر فلو قلت: مطعمك زيد لحمًا تريد مطعمك لحمًا زيد فتفصل بين المبتدأ ومعموله بالخبر لكان في جواز نظر لأنك فصلت بين العامل والمعمول بأجنبي لهما معًا وإن كان ليس أجنبيًا لأحدهما الذي هو المبتدأ ويحتمل أن يختلف الضمير فيكون في {وإخوانهم} عائد على الشياطين الدالّ عليهم الشيطان أو على الشيطان نفسه باعتبار أنه يراد به الجنس نحو قوله: {أولياؤهم الطاغوت} المعنى الطواغيت ويكون في {يمدّونهم} عائد على الكفار والواو في {يمدّونهم} عائدة على الشياطين وإخوان الشياطين {يمدّونهم} الشياطين ويكون الخبر جرى على غير من هو له، لأن الإمداد مسند إلى الشياطين لا لإخوانهم وهذا نظير قوله:
قوم إذا الخيل جالوا في كواثيها

وهذا الاحتمال هو قول الجمهور وعليه فسّر الطبري، وقال الزمخشري: هو أوجه لأن {إخوانهم} في مقابلة {الذين اتقوا}، وقرأ نافع {يمدونهم} مضارع أمدّ، وباقي السبعة {يمدونهم} من مدّ وتقدم الكلام على ذلك في قوله: {ويمدّهم في طغيانهم يعمهون}، وقرأ الجحدري يمادّونهم من مادّ على وزن فاعل، وقرأ الجمهور: {لا يقصرون} من أقصر أي كفّ.
قال الشاعر:
لعمرك ما قلبي إلى أهله بحر ** ولا مقصر يومًا فيأتيني بقر

أي ولا هو نازع عما هو فيه، وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر {ثم لا يقصّرون} من قصر أي ثم لا ينقصون من إمدادهم وغوايتهم وقد أبعد الزجاج في دعواه أن قوله: {وإخوانهم} الآية متصل بقوله: {ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون} ولا حاجة إلى تكلف ذلك بل هو كلام متناسق أخذ بعضه بعنق بعض لما بين حال المتّقين مع الشياطين بين حال غير المتقين معهم وأن أولئك ينفس ما يمسهم من الشيطان ماس أقلعوا على الفور وهؤلاء في إمداد من الغيّ وعدم نزوع عنه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وإخوانهم} أي إخوانُ الشياطين وهم المنهمِكون في الغي المعرضون عن وقاية أنفسِهم عن المضار {يَمُدُّونَهُمْ في الغى} أي يكون الشياطين مددًا لهم فيه ويعضدونهم بالتزيين والحملِ عليه، وقرئ {يُمِدّونهم} من الإمداد و{يُمادّونهم} كأنهم يُعينونهم بالتسهيل والإغراء، وهؤلاء بالاتباع والامتثال {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يمسكون عن الإغواء حتى يردوهم بالكلية ويجوز أن يكون الضمير للإخوان أي لا يرعون عن الغي ولا يقصرون كالمتقين، ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين ويرجعُ الضميرُ إلى الجاهلين فيكون الخبرُ جاريًا على من هو له. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}.
{وإخوانهم} أي إخوان الشياطن الذين لم يتقوا وذلك معنى الإخوة بينهم، وهو مبتدأ وقوله سبحانه وتعالى: {يَمُدُّونَهُمْ في الغى} خبره، والضمير المرفوع للشياطين والمنصوب للمبتدأ، أي تعاونهم الشياطين في الضلال وذلك بأن يزينوه لهم ويحملوهم عليه، والخبر على هذا جار على غير من هو له وفي أنه هل يجب إبراز الضمير أولا يجب في مثل ذلك خلاف بين أهل القريتين كالصفة المختلف فيها بينهم، وقيل: إن الضمير الأول للإخوان والثاني للشياطين، والمعنى وإخوان الشياطين يمدون الشياطين بالاتباع والامتثال، وعلى هذا يكون الخبر جاريًا على من هو له، والجار والمجرور متعلق بما عنده، وجوز أن يكون في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول.
وقرأ نافع {يَمُدُّونَهُمْ} بضم الياء وكسر الميم من الإمداد والجمهور على فتح الياء وضم الميم.
قال أبو علي في الحجة بعد نقل ذكر ذلك: وعامة ما جاء في التنزيل مما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت كقوله تعالى: {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون: 55] {وأمددناهم بفاكهة} [الطور: 22] و{أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} [النمل: 36] وما كان بخلافه على مددت قال تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15] وهكذا يتكلمون بما يدل على أن الوجه فتح الياء كما ذهب إليه الأكثر، ووجه قراءة نافع أنه مثل {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] {فَسَنُيَسّرُهُ للعسرى} [الليل: 10] وقرأ الجحدري {يمادونهم} من باب المفاعلة وهي هنا مجازية كأنهم كان الشاطين يعينونهم بالإغراء وتهوين المعاصي عليهم وهؤلاء يعينون الشياطين بالاتباع والامتثال {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يمسكون ولا يكفون عن إغوائهم حتى يردوهم بالكلية فهو من أقصر إذا أقلع وأمسك كما في قوله:
سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

وجوز أن يكون الضمير للإخوان.
وروي ذلك عن ابن عباس.
والسدي وإليه ذهب الجبائي، أي ثم لا يكف هؤلاء عن الغي ولا يقصرون كالمتقين، وجوز أيضًا أن يراد بالإخوان الشياطين وضمير الجمع المضاف إليه أولًا والمفعول ثانيًا والفاعل ثالثًا يعود إلى الجاهلين في قوله سبحانه وتعالى: {وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين} [الأعراف: 199] أي وإخوان الجاهلين وهم الشياطين يمدون الجاهلين في الغي ثم لا يقصر الجاهلون عن ذلك، والخبر على هذا أيضًا جار على ما هو له كما في بعض الأوجه السابقة والأول أولى رعاية للمقابلة.
وقرأ عيسى بن عمر {يُقْصِرُونَ} بفتح الياء وضم الصاد من قصر وهو مجاز عن الإمساك أيضًا. اهـ.